سئل النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن خير النساء فقال:
( التي تطيع إذا أمر , وتسر إذا نظر , وتحفظه في نفسها وماله ) رواه احمد والحاكم
2- خير متاع الدنيا :
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة )رواه مسلم والنسائي وابن ماجه
3- حق المرأة في اختيار الزوج:
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
( الايم "الثيب التي توفي زوجها " احق بنفسها من وليها , والبكر تستأمر في نفسها , وإذنها صماتها )
رواه مسلم والبخاري
4- حتى اللقمة :
عن سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه , ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له :
( وإنك لن تنفق نفقة ً تبتغي بها وجه الله إلا اُجرت بها عليها حتى ما تجعل في في ّ" فمها "إمرتك).
رواه البخاري ومسلم
5- اتقوا النساء :
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
( الدنيا خضرة حلوة , و إن الله مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون !
فأتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني اسرائيل كانت في النساء ).رواه مسلم
6- واستوصوا بالنساء :
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
(استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم، إن لكم عليهن حقا، ولهن عليكم حقا)
7- في خطبة الوداع
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
( فأتقوا الله في النساء , فإنكم أخذتموهنّ بأمان الله , واستحللتم فروجهن بكلمة الله ) رواه مسلم
( التي تطيع إذا أمر , وتسر إذا نظر , وتحفظه في نفسها وماله ) رواه احمد والحاكم
2- خير متاع الدنيا :
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة )رواه مسلم والنسائي وابن ماجه
3- حق المرأة في اختيار الزوج:
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
( الايم "الثيب التي توفي زوجها " احق بنفسها من وليها , والبكر تستأمر في نفسها , وإذنها صماتها )
رواه مسلم والبخاري
4- حتى اللقمة :
عن سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه , ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له :
( وإنك لن تنفق نفقة ً تبتغي بها وجه الله إلا اُجرت بها عليها حتى ما تجعل في في ّ" فمها "إمرتك).
رواه البخاري ومسلم
5- اتقوا النساء :
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
( الدنيا خضرة حلوة , و إن الله مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون !
فأتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني اسرائيل كانت في النساء ).رواه مسلم
6- واستوصوا بالنساء :
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
(استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم، إن لكم عليهن حقا، ولهن عليكم حقا)
7- في خطبة الوداع
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
( فأتقوا الله في النساء , فإنكم أخذتموهنّ بأمان الله , واستحللتم فروجهن بكلمة الله ) رواه مسلم
8-النساء شقائق الرجال
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
(إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم)
9-خير المسلمين
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
(خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهـلي)
10- أقرب المؤمنين مجلسا ً لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
(أكمل المؤمنين أيماناً، وأقربهم مني مجلساً، ألطفهم بأهـله)
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
(إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم)
9-خير المسلمين
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
(خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهـلي)
10- أقرب المؤمنين مجلسا ً لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
(أكمل المؤمنين أيماناً، وأقربهم مني مجلساً، ألطفهم بأهـله)
أتمنى أن تزيل هذه الأحاديث أفكار كل من حاول تهميش المرأة فى الإسلام ومعاملتها معاملة الرقيق
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين . وبعد ,,
فإن الصراع بين الحق والباطل سنة من سنن الله ـ سبحانه وتعالى ـ في هذا الكون ، ماضية بأمر الله ، دائمة ما دامت السماوات والأرض ، قال تعالى: { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } (سورة الحج ، من الآية رقم / 40 )
وقد جاء علي البشرية زمن رجحت فيه كفة الباطل ، فسادت قوانين الغاب التي تنص علي أن السيادة للأقوى ،وراحت قوي البغي والطغيان تبطش بالضعفاء ، حيث لا مجال لقيم العدل والرحمة والمساواة ،وتفرق الناس شيعاً وأحزاباً ، وادلهَمَّ الخطب ، وخفت نور الحق ، وطال ليل الباطل.
وفجأة وقف الكون كله ليرصد شمساً بزغت من أرض الجزيرة العربية ، وأرسلت شعاعها نوراً وهداية للعالمين ،إنها شمس الإسلام آخر رسالات السماء إلي الأرض ، بُعث بها محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم -الرسالة التي أحدثت أغرب انقلاب في تاريخ البشر.

جاء الإسلام فرأي الناسُ فيه طوق النجاة للعالم كله من دمار محقق ، فدخلوا فيه أفواجاً ، فوحَّد الإسلام فُرقتهم ، وصهرهم ـ علي اختلاف أجناسهم والوانهم ـ في بوتقة واحدة ، حتى تكونت منهم سبيكة متلألئة صلبة ، أما لألأتها فبريق الإيمان ، وأما صلابتها فتماسك وترابط برباط العقيدة " ذلك الرباط الذي وحَّد القلوب حول رسول الله – صلى الله عليه وسلم- حين حدث اللقاء بينها في الله ، فتحابت ، فالتحمت ، ثم زادها التحاماً لقاؤها في حب رسـول الله – صلى الله عليه وسلم - فتآخت ذلك الإخاء العجيب الذي يتحدث عنه التاريخ.
وصدق الله إذ يقول في كتابه الكـريم مخاطباً نبيه الأمين – صلى الله عليه وسلم : {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (سورة الأنفال ، الآية رقم /63)
وتحقيقاً لعالمية الإسلام انطلق المسلمون الأوائل ـ بعقيدة راسخة كالجبال ، وصفوف متماسكة كالبنيان المرصوص ـ لينشروا هذا النـور المبين في جميع أقطار الأرض ،
واستطاعوا بفضل الله وعونه أن يتغلبوا علي الإمبراطوريتين : الرومانية والفارسية اللتين كانتا تمثلان القوتين المهيمنتين علي الساحة العالمية في ذلك الوقت ، ولم تتوقف مسيرة الجهاد حتى تكونت ـ في فترة وجيزة ـ إمبراطورية إسلامية كبري لم يعرف التاريخ لها مثيلاً.
ورغم الهزائم المنكرة المتكررة والتي مُنِي بها أعداء الإسلام خلال المراحل المختلفة لغزوهم المسلح ، وغاراتهم العسكرية علي بلاد الإسلام ، إلا أنهم لم ييأسوا ، بل لجأوا ـ بجانب الغزو العسكري ـ إلي نوع آخر من الغزو هو في حقيقته وجوهره أعتى خطراً وأفدح ضرراً من الغزو العسكري ، إنه الغزو الفكري ، الذي يستهدف استئصال العقيدة الإسلامية من نفوس المسلمين ، تلك العقيدة التي اكتنفت المسلمين ونظمتهم أمة واحدة ، طالما وقف اتحادها عقبة كأداء في طريق الآمال التي يتطلع إلي تحقيقها أعداء الإسلام.
وانطلق الغزو المزدوج { العسكري والفكري } صوب ديار الإسلام ، رامياً إلي القضاء علي كل ما من شأنه أن يجمع شمل المسلمين ويوحد كلمتهم.
وفي غفلة من المسلمين تمكن أعداء الإسلام من إلغاء الخلافة الإسلامية ـ والتى كانت رمزاً لوحدة المسلمين ـ في " 26 من رجب 1342هـ الموافق 2 من مارس 1924م ".
ثم قام المستعمرون بتجزئة الأمة العربية ذات الأكثرية الإسلامية إلي دويلات صغيرة ، وإقامة الحدود والحواجز المصطنعة بينها ، مع تمكين الخلاف والفرقة بين كل دولة وأخري عن طريق إثارة النعرات القومية والإقليمية والطائفية والمذهبية ، وشحنها بالمقدار المدمر من الحقد والكراهية والبغضاء ، وتغذيتها بمختلف أسباب الخلاف وبواعث الشقاق.
ثم جاء الدور علي أهم لبنة في بناء الأمة الإسلامية ، وهي الأسرة المسلمة ، نظر أعداء الإسلام فوجدوا أن الخطر الذي يتهددهم مازال قائماً بقيام الأسرة المسلمة ، تلك التي تمثل حجر الزاوية في بناء المجتمع الإسلامي ، وعروة العري في كيان الإسلام بما اشتملت عليه من تمسك بأسباب الوقاية والطهر ، وبما انطوت عليه من مقومات الغيرة علي الأعراض ، والتي هي صنو للغيرة علي الوطن.
وإذا كانت الخلافة الإسلامية قد ألغيت ـ في غفلة وتخاذل من المسلمين ، مقابل مكر وتخطيط من أعدائهم ـ فإن الأسرة المسلمة تمثل خلافة إسلامية مصغّرة ، حيث إنها تشتمل علي راعٍ ورعيّة ، ويحكمها دستور إلهي حُدِّدت فيه الحقوق والواجبات الكفيلة بسعادتها ودوام استقرارها ، وبناءً علي هذا تكون بذرة الخلافة موجودة فيها ، ومن الممكن في أي وقت أن تنبت منها شجرة الخلافة الكبرى.
بالإضافة إلي هذا ، فإن أخطر ما استهدفه الغزو الفكري في برامجه التخريبية هو هدم الشخصية الإسلامية ، والشخصية الإسلامية إنما يتم بناؤها وتأسيسها داخل الأسرة المسلمة ، وبناءً عليه فهدم الأسرة المسلمة هدمُ للشخصية الإسلامية.
لهذا وغيره ركَّز الغزو الفكري سهامه علي قلب الأمة ، أي علي الأسرة المسلمة في محاولة لتغيير ملامحها ، وصبغها بصبغة غير إسلامية.
فعندما سجن {لويس التاسع} ملك فرنسا ، في دار ابن لقمان بالمنصورة " أخذ يتفكر فيما حل به وبقومه ، ثم عاد يقول لقومه : إذا أردتم أن تهزموا المسلمين فلا تقاتلوهم بالسلاح وحده فقد هزمتم أمامهم في معركة السلاح ولكن حاربوهم في عقيدتهم فهي مكمن القوة فيهم ".
وقد فاحت رائحة تلك الأمنية من أفواه حكماء صهيون بقولهم في البروتوكول الرابع : " علينا أن ننتزع فكرة الله ذاتها من عقول الناس ، وأن نضع مكانها عمليات حسابية وضرورات مادية
أثر الغزو الفكري على الأسرة المسلمة
إن الأسرة المسلمة تستمد ثقافتها ـ غالباً ـ من التعليم ، ووسائل الإعلام المختلفة ( مقروءة ومسموعة ومرئية ) ، وبحسب ما تقدمه تلك الوسائل تكون ثقافة الأسرة المسلمة ، فإما أن تكون ثقافة مثمرة ، وإما أن تكون غير ذلك .
وكما مر ذكره ، فإن أعداء الإسلام أدركوا أهمية تلك الوسائل في صياغة الفكر الإنساني ، فأمسكوا بزمامها ، وتحكموا في توجيه الثقافة في بلاد الإسلام توجيهاً يخدم أغراضهم الخبيثة .
وقد أسفرت هذه السيطرة عن آثار ثقافية خطيرة أصابت الأسرة المسلمة .
ومن هذه الآثار ما يلي :
أولاً : ضحالة الثقافة الإسلامية في عقول أفراد الأسرة المسلمة:
والثقافة الإسلامية هي : " الثقافة التي محورها الإسلام : مصادره ، وأصوله ، وعلومه المتعلقة به ، المنبثقة عنه ."
وفي وقتنا المعاصر صار كثير من أفراد الأسرة المسلمة يجهلون الكثير من جوانب الثقافة الإسلامية: عقيدة وعبادة ، وآداباً ،وتاريخاً ....إلخ .
ولم يصل كثير من الأسر المسلمة إلي هذا المستوي المتدني من الثقافة الإسلامية إلا نتيجة لمخطط محكم تولت كبره النظم الوضعية في التعليم والثقافة والإعلام في أغلب الأقطار الإسلامية ، متبنية سياسة تفريغ المسلم من الثقافة الإسلامية ، علي النحو التالي :
1-تهميش الثقافة الإسلامية :
ويتجلى ذلك فيما يلي :
أ-تضاؤل الاهتمام بالمساحة الدينية في وسائل الإعلام المختلفة من حيث الكم والكيف .
ب-إهمال العلوم الدينية والثقافة الإسلامية في مراحل التعليم المختلفة ، ولكل عاقل أن يتساءل :" أين هذه العلوم في كلية الطب والهندسة والصيدلة والعلوم والزراعة ؟ أين هذه العلوم في المعاهد الصناعية ، والزراعية ، والتجارية ؟ أين هذه العلوم في مناهج الكليات النظرية ، في كلية الحقوق ، وفي كلية الاقتصاد ، والعلوم السياسية ، وفي كلية الآداب ( أقسام التاريخ ، والجغرافيا ، وعلم النفس ، وعلم الاجتماع ، وعلم الفلسفة ، أقسام اللغات الحية الإنجليزية ، والفرنسية ، واللغات الميتة ؟) أين هذه العلوم في مناهج كلية التربية ؟
وذلك يعني : أن طلاب هذه الكليات محرومون من تعلم علوم هي من فروض العين في حقهم ، وأنهم سوف يتخرجون ولا يعرف الواحد منهم كيف يتلو كتاب الله ، ولا يعرف الأحكام التي تصح بها عقيدته ، وعبادته لله ، ومعاملاته ."
2-محاربة اللغة العربية :
إن اللغة العربية هي اللغة الأولي للثقافة الإسلامية ، بل هي اللغة التي نشأت في رحمها هذه الثقافة ، واتسعت للخطاب الإلهي المعجز .
وقد أدرك أعداء الإسلام أن الشعوب الإسلامية ما دامت علي صلة وثيقة باللغة العربية فإنها ستظل مرتبطة بالإسلام قرآناً وسنة ، وستظل متمسكة بفكرة الوحدة الإسلامية الكبرى .
لذا فقد بذل هؤلاء الأعداء جهوداً جبارة من أجل القضاء علي اللغة العربية الفصحى ـ لغة القرآن الكريم والسنة النبوية ـ وإحلال اللهجات العامية في الأقطار الإسلامية محلها .
وإن المرء ليلاحظ صوراً ووجوهاً لهذه الدعوة إلي العامية ، لا تزال قائمة إلي اليوم في وسائل الثقافة داخل المجتمعات الإسلامية ، فهناك الأعمال الإعلامية الكثيرة في وسائل الإعلام ، تدعم هذا الاتجاه الخطير ، إذ تعرض هذه الوسائل إنتاجاً فكرياً عديداً باللهجات العامية التي تحاصر الفصحى ، وتضعف من قيمتها في نظر الأجيال .
بل هناك بعض الأفلام السينمائية والتليفزيونية قد أعدت علي نهج يحقر من شأن الفصحي ، ويغض من قيمتها ، ويسخر من مدرسي اللغة العربية .
وفعلاً راجت هذه الأفكار الخبيثة في العالم الإسلامي على مستوى دوله عامة، ومصر علي وجه الخصوص ، حتى أصبحت العامية هي اللغة الأولي في مصر ، وفي بلاد أخرى من العالم الإسلامي .
وبذلك أصبح القرآن لدى الأكثرية مهجوراً ، وأصبحت السنة نسياً منسياً ، لأنها جاءت بلغة غير اللغة التي يتحدث بها غالبية الناس .
وهكذا فقد المسلم المخدوع حلقة الوصل بينه وبين الثقافة الإسلامية .

ثانياً : الانبهار بالثقافة الغربية :
في الوقت الذي أصيبت فيه عقول بعض الأسر المسلمة بضحالة في الثقافة الإسلامية القائمة علي الإيمان بالله ، والتوحيد المطلق لذاته وصفاته وأفعاله ، والالتزام الأخلاقي ، واقتران العلم بالعمل ، وتحقيق الفضيلة الإنسانية في أعمق معانيها وأوسعها .
نجد في المقابل انبهاراً بالثقافة الغربية التي لا تكترث بالأديان أو الالتزام الأخلاقي بأي قيم ثابتة ، لأنها تؤله العقل ، وتفصل بين الدين والدولـة حتى في العقيدة التي تدين بها ، ولا تقول بغير النسبي والمتطور والنافع في الحياة المادية ، وتعتبر الأخلاق نظاماً من القيم النسبية الآيلة إلي مواضعات الناس .
ومعلوم أن الانبهار بالثقافة الغربية يترتب عليه محاولة الاصطباغ بمضمون هذه الثقافة .
ولم يأت هذا الانبهار من فراغ ، بل نتيجة لخطوات كثيرة خطاها أعداء الإسلام في محاولة لتغريب حياة المسلمين وإغراقهم بالثقافة الغربية .
ومن هذه الخطوات ما يلي :
الخطوة الأولى : إعداد جيش من دعاة التغريب :
لقد خاض معركة التغريب في بداية الأمر غربيون كان علي رأسهم المبشرون والمستشرقون ، ثم عظم الخطب عندما استطاع الغرب أن يُجند من أبناء العرب والمسلمين جنوداً في كتائب التغريب ، تسبح أقلامهم ، وتلهج ألسنتهم بالثناء علي الحضارة الغربية آناء الليل وأطراف النهار أمثال : رفاعة الطهطاوي (1) ، وخير الدين التونسي (2)، وقاسم أمين (3)، وطه حسين (4)، وسلامة موسي (5)، وغيرهم كثير(6).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هو رفاعة بدوي رافع الطهطاوي [ 1801-1873م]

ولد بطهطا من قري صعيد مصر ، تعلم بالأزهر ثم أوفد إلي باريس سنة 1826م مرافقاً لبعثة علمية ليكون مرشدها الروحي ، فدرس الفرنسية ، وتثقف هناك ، وعاد إلي مصر ، فتولي رئاسة الترجمة في المدرسة الطبية ، وتدرج في غيرها من المناصب ، له من الكتب ( تلخيص الإبريز ) و ( المرشد الأمين ) وغيرهما ، راجع الأعلام 3/ 29.

ولد بطهطا من قري صعيد مصر ، تعلم بالأزهر ثم أوفد إلي باريس سنة 1826م مرافقاً لبعثة علمية ليكون مرشدها الروحي ، فدرس الفرنسية ، وتثقف هناك ، وعاد إلي مصر ، فتولي رئاسة الترجمة في المدرسة الطبية ، وتدرج في غيرها من المناصب ، له من الكتب ( تلخيص الإبريز ) و ( المرشد الأمين ) وغيرهما ، راجع الأعلام 3/ 29.
(2)هو خير الدين بن أحمد التونسي [ 1225-1308هـ =1810-1890م] قدم تونس صغيراً ، فاتصل بصاحبها الباي أحمد ، وتعلم العلوم الأجنبية ، والتحق بوظائف الحكومة ، حتى اختير وزيراً للحربية في تونس ، ثم ولاه السلطان عبد الحميد الصدارة العظمي ، من مؤلفاته ( أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك ) راجع الأعلام 2/ 327.
(3) هو قاسم بن محمد أمين المصري [ 1279-1326هـ = 1863-1908م]

كاتب باحث اشتهر بمناصرته للمرأة ودفاعه عن حريتها ، له ( تحرير المرأة ) و( المرأة الجديدة ) وكان لصدورهما دوي ، ونشر له كتاب ثالث سمي كلمات قاسم بك أمين .

كاتب باحث اشتهر بمناصرته للمرأة ودفاعه عن حريتها ، له ( تحرير المرأة ) و( المرأة الجديدة ) وكان لصدورهما دوي ، ونشر له كتاب ثالث سمي كلمات قاسم بك أمين .
راجع الأعلام 5/ 184.
(4) هو طه بن حسين بن علي بن سلامة [ 1889-1973م]

الدكتور في الأدب ، من كبار المحاضرين ، جدد مناهج ، وأحدث ضجة في عالم الأدب العربي ، وتولى مناصب متعددة ، وأقبل الناس علي كتبه ، ومن المطبوع منها : ( في الأدب الجاهلي ) و( في الشعر الجاهلي ) و( حديث الأربعاء ) و( قادة الفكر ) و( علي هامش السيرة ) و ( مستقبل الثقافة في مصر ) وغيرها ، وقد ترجم كثير من كتبه إلي عدة لغات .راجع الأعلام 3/ 231- 232.

الدكتور في الأدب ، من كبار المحاضرين ، جدد مناهج ، وأحدث ضجة في عالم الأدب العربي ، وتولى مناصب متعددة ، وأقبل الناس علي كتبه ، ومن المطبوع منها : ( في الأدب الجاهلي ) و( في الشعر الجاهلي ) و( حديث الأربعاء ) و( قادة الفكر ) و( علي هامش السيرة ) و ( مستقبل الثقافة في مصر ) وغيرها ، وقد ترجم كثير من كتبه إلي عدة لغات .راجع الأعلام 3/ 231- 232.
(5) هو سلامة موسي القبطي المصري [ 1304-1378هـ = 1887-1958م ]

كاتب مضطرب الاتجاه والتفكير ، رأس تحرير مجلة الهلال ، وصنف وترجم ما يزيد علي (40) كتاباً ، طبعت كلها منها ( حرية الفكر وأبطالها في التاريخ ) و( نظرية التطور وأصل الإنسان ) و( مختارات سلامة موسى ) وكتب في مجلات وصحف متعددة ، وكان كثير التجني علي كتب التراث العربي ، يناصر بدعة الكتابة بالحرف اللاتيني " راجع الأعلام 3/ 107، 108.

كاتب مضطرب الاتجاه والتفكير ، رأس تحرير مجلة الهلال ، وصنف وترجم ما يزيد علي (40) كتاباً ، طبعت كلها منها ( حرية الفكر وأبطالها في التاريخ ) و( نظرية التطور وأصل الإنسان ) و( مختارات سلامة موسى ) وكتب في مجلات وصحف متعددة ، وكان كثير التجني علي كتب التراث العربي ، يناصر بدعة الكتابة بالحرف اللاتيني " راجع الأعلام 3/ 107، 108.
(6) فمثلاً : يعبر سلامة موسى عن شغفه بالحضارة الغربية فيقول في كتابه " اليوم والغد " ما نصه :" كلما زادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له وشعوري بأنه غريب عني ، وكلما زادت معرفتي بأوربا زاد حبي لها وتعلقي بها ، وزاد شعوري بأنها مني وأنا منها ، هذا هو مذهبي الذي أعمل له طوال حياتي سراً وجهراً ، فأنا كافر بالشرق مؤمن بالغرب " انظر اليوم والغد " سلامة موسي صـ 41، القاهرة [ د . ق] 1994م .
ثم يأتي بعده الدكتور طه حسين ويعلن في كتابه " مستقبل الثقافة في مصر " أن الطريق الوحيد للنهضة والتقدم الحضاري هو :" أن نسير سيرة الأوربيين ، ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً ، ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها حلوها ومرها ، وما يُحب منها وما يكره ، وما يحمد منها وما يعاب ."
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن حق المقام هنا على الباحث أن ينبه إلى أن خطر هؤلاء المستغربين يفوق خطر الأجانب من المبشرين والمستشرقين بعشرات المراحــل ، حيث إن الثقة فيهم متوفرة ، وصوتهم له من الألفة ما يجعل صداه يجد طريقاً إلي أذن كثير من المسلمين .
وقد أدرك تلك الحقيقة ، القسيس " زويمر " رئيس إرسالية التبشير في البحرين ، فذكر ضمن نصائحه للمبشرين في مقدمة كتابه " العالم الإسلامي اليوم " :" تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم ، ومن بين صفوفهم ، لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها ."
ولذلك فإن كل دولة تحرص في صراعها مع أي دولة أخري أن تتخذ لها عملاء وجواسيس من أبناء الدولة المعادية .
الخطوة الثانية: تزيين الحضارة الغربية :
لقد عمل دعاة التغريب ـ على اختلاف أنواعهم ـ علي تزيين الحضارة الغربية ـ التي تشبعت بحبها والولاء لها عقولهم وقلوبهم ـ للمسلمين ، وقد أعانهم علي ذلك ما وصلت إليه تلك الحضارة من تقدم ملموس في شتي جوانب الحياة المادية حيث إنها وفرت للبشر الجهد والوقت .
أما الناحية الروحية في تلك الحضارة ، فلم تظهر علي شاشات التغريب ، إذ أن عدساته قد تجاهلتها ، لما في الإعلان عنها من تشويش لما يراد بثه في نفوس المسلمين ، وهو تزيين الحضارة الغربية .
وما كان هذا التزيين ليُحدث أثراً ، لولا أن المسلمين قد أصابتهم هزيمة نفسية ، وسيطرت عليهم روح انهزامية وقفت مبهورة أمام انتصارات وإنجازات الإنسان الأوربي أو الأمريكي .
الخطوة الثالثة : الدعوة إلي الانفتاح :
بين الحين والآخر بظهر هذا الاتجاه الذي " ينادي بالانفتاح الثقافي والحضاري علي الغرب في شتي الدروب بلا تحفظ ، بحجة ( التحديث ) أو ( العصرية ) أو ( التقدم ) أو ( التجديد ) وكلما ظهر هذا الاتجاه يبرز معه السؤال الآتي : ماذا نأخذ من حضارة الغرب ، وماذا ندع ؟ ."
وفي إطار الإجابة عن هذا السؤال يقول الأستاذ / أنور الجندي :" إن الدعوة إلى الانفتاح علي الفكر العالمي هي دعوة إسلامية صحيحة وأصيلة وقائمة منذ فجر الإسلام ، ولكن بضوابطها وحدودها وأساليبها التي تحفظ الذاتية وتحول دون انهيارها وانصهارها في الفكر الوافد ."
ولكن للأسف الشديد ، فإن المسلمين الآن يعيشون حالة من الانفتاح المطلق علي الفكر والثقافة الغربية عبر الأبواب الآتية :
1-البث الإعلامي المباشر:
والذي تعجز الحواجز عن صده ومايحمل من ثقافات مهما كان شأنها .
ولقد عبر الأستاذ / فهمي هويدي عن هذا الخطر حينما بدأ البث المباشر في تونس ، وهي أول دولة عربية سارعت لاستقباله ، فقال :" خرج الاستعمار الفرنسي من شوارع تونس عام 1956م ، ولكنه رجع إليها عام 1989، لم يرجع إلى الأسواق فقط ، ولكنه رجع ليشاركنا السكن في بيوتنا والخلوة في غرفتنا ، والمبيت في أسرة نومنا ، رجع ليقضي علي الدين واللغة والأخلاق ، كان يقيم بيننا بالكره ، ولكنه رجع لنستقبله بالحب والترحاب ، كنا ننظر إليه فنمقته ، أما الآن فنتلذذ بمشاهدته والجلوس معه إنه الاستعمار الجديد ، لا كاستعمار الأرض ، وإنما استعمار القلوب .
إن الخطر يهدد الأجيال الحاضرة والقادمة ، يهدد الشباب والشابات والكهول والعفيفات والآباء والأمهات ."
2-الابتعاث إلي الخارج :
" فعندما يبتعث طالب العلم ـ مثلاً ـ إلى بلاد الغرب ، تكون الفرصة مواتية لأعداء الإسلام ، ليتعاملوا معه ، ويشبعوه بالثقافة الغربية ، فيعود إلى بلاده ، ويدعو قومه إلي ما مُلئ به عقله وقلبه .
3-تعليم اللغات الأجنبية :
فاللغات أوعية للفكر ، وبالتالي فتعلم اللغات الأجنبية ـ بدون ضوابط وأخذ الحذر ـ يؤدي إلي التأثر بالأفكار الأجنبية .
ومما يدل علي ذلك قول {أ .ل شاتليه } في تقديمه لأعمال الإرساليات التبشيرية :" لا شك في أن إرساليات التبشير من بروتستانتية وكاثوليكية ، تعجز عن أن تزحزح العقيدة الإسلامية من نفوس منتحليها ، ولا يتم لها ذلك إلا ببث الأفكار التي تتسرب مع اللغات الأوربية ."
4-العولمــــة :
والعولمة ترفع شعارات " عالمية الثقافة " و" وحدة الفكر البشري " ولكنها في الحقيقة ترمي إلي تذويب الفكر العربي الإسلامي واحتوائه ، وصهره في بوتقة الأقوياء المسيطرين أصحاب النفوذ العالمي السياسي المسيطر ."
أقول : لقد تضافرت هذه الأمور كلها علي إحداث الانبهار بالثقافة الغربية ، وقد انعكس هذا الانبهار علي الأسرة المسلمة فكرياً ، وثقافياً ، بل سلوكاً واقعياً
حقوق المرأة في الإسلام..بين النص والممارسة
البدء من النصّ الثابت المقدس:
أرى أن الكلام على حقوق المرأة في الإسلام، كالكلام على حقوق الإنسان، أو أي موضوع كلاميٍّ آخر، يجب أن يبدأ من النص المقدس أولاً (القرآن والسنة الصحيحة)، والتعرّف من ثم إلى المسيرة التي قطعها فهم هذا النص المقدس على مدى العصور، وربطـُ هذا الفهم بالظروف التاريخية والجغرافية والثقافية والاجتماعية التي صدر عنها، للتمييز بين النص الثابت المقدس، وبين فهمه المتحول والمتغير، هذا النص المقدس يظل نقياً خالصاً من الشوائب، أما فهم هذا النص، أي المعرفة الدينية المتمثلة بالفقه وعلم الكلام والفلسفة، فبشرية ٌ يسري عليها ما يسري على غيرها من معارف البشر وعلومهم، وتدخلُ فيها أمورٌ غيرُ معرفية وذاتية تؤثر فيها وتؤدي إلى محدوديتها. وهي، كأي معرفة بشرية أخرى، مرآة تطور وجود الإنسان ونموّه، لا تؤثر فيها قوى الإنسان العاقلة وحدها وإنما تؤثر فيها كذلك الشهوة والغضب والميول والغرائز والأفكار المسبقة والأهواء والتجارب، وخصالُ الإنسان الشريفة وصفاته الوضيعة. فعلى سبيل المثال، كثر وضّاعوا الحديث لغايات متعددة فشوهوا بذلك المعرفة الدينية، بحيث أن أي محدّث أو فقيه يراجع الكتب الدينية يواجهه خليطـٌ مضطربٌ من الأفكار، والوسائل التي يمتلكها لتنقيتها بشرية ٌ، وقدراته (بوصفه بشرياً غير معصوم) محدودة، ولا يستطيع أن يصل إلى القول الفصل في تمييز الحسن من الرديء، والصحيح من السقم، إلا بعرضه على النص الثابت المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
إن فقه فلان وعلم كلام فلان هو إدراكه للدين، وهذا الإدراك للدين ليس ثابتاً كالدين نفسه، كما هو الأمر بالنسبة إلى علم الفيزياء تماماً، فالطبيعة التي خلقها الله ثابتة، أما العلوم الطبيعية والفيزياء والرياضيات فهي من صنع الإنسان واكتشافه وعليها صبغة الإنسان ولون المجتمع الإنساني والروح الإنسانية، ولها هويّة ُ متحركة ٌ ومتغيرة ٌ ومتجددة ٌ باستمرار.
أن القول عن كلام فلان، من المفسرين أو من الفقهاء: إنه غير صحيح وغير مترابط، معناه أننا نقارن في الواقع فهمه للإسلام بفهم آخر للإسلام، فما رآه المرحوم مرتضى مطهّري، مثلاً، في ما يتعلـّق بالمرأة وحقوقها بوصفها إنساناً، وقدّم الأدلة عليه من النص الثابت نفسه، ينافي جملة وتفصيلاً فهم أستاذة الملاّ هادي السبزواري له(1).. لقد اهتم المرحوم مطهري بقضية المرأة في الإسلام، وكان بحثه، في هذا السياق، من المباحث الكلامية الجديدة، لأن موضوع المرأة لم يُطرح على الإطلاق في الكتابات الفقهية بوصفه موضوعاً مستقلاً بعنوان «المرأة» أو «حقوق المرأة» أو «منزلة المرأة في المجتمع».
لقد كان من الطبيعي أن يدخل الذين بحثوا حقوق المرأة في الإسلام، من المعاصرين، إلى رحاب الشريعة من معابر جديدة، غير تلك التي سلكها القدماء، وهذا يستوجب البحث والتنقيب، ويتطلب وسائل جديدة ومنظاراً جديداً للتوصل، بعد البحث والتنقيب، إلى نتائج جديدة.
وهذا الموضوع ليس مستقلاً عن مسائل الشريعة الأخرى أو غريباً عنها، فهو مرتبطـٌ بموضوعات كثيرة، أولها كيفية خلق الإنسان «كما وردت في النص المقدس»، وليس كما وردت في التفاسير التي استعارت قصة الخلق من التوراة المحرفة، ومرتبط بالعلوم الطبيعية، وعلم التشريح والأمراض والأعصاب لردّ الكلام غير العلمي الذي كان مناسباً للمرحلة السابقة على تقدم العلوم الطبيّة؛ ومرتبط بالعلوم الإنسانية، كعلم التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم اللغة وعلم التربية، ومرتبطـٌ أيضاً بنظرة الإسلام إلى الإنسان «بالمطلق»، واعترافه بحقوقه الطبيعية.
لذلك من الواجب، للعثور على حلول للمشكلات، الحفر بعمق وجدية في حقل الشريعة وفي حقول المعارف البشرية جميعها. وقضية المرأة من القضايا والتحديات العديدة التي يواجهها علم الكلام الإسلامي الجديد، ومنها التطور والتكامل والحرية وأساليب الحكم والسياسة والتقانة والعولمة، و...
من هذا المنطلق يجب أن يكون الكلام الجديد متناسباً مع العلوم الأخرى التي ولد معها، لا يكفي أن تقدم صورة جديدة للدين، وتوضع مع الصورة القديمة في الإطار نفسه، وإنما يجب رسم لوحة جديدة تأخذ في الاعتبار حقوق الإنسان، كما أوردتها الشريعة وفهماً لهذه الحقوق مستنداً إلى العلوم الجديدة التي تخدم هذا الفهم.
- جذور القضية
- أسباب المشكلات التي عانت منها المرأة المسلمة:
بالعودة إلى جذر القضية المطروحة، ومن منطلق أن الإسلام جاء ثورة شاملة، غطـّت كل نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ولم يفضل إنساناً على آخر إلا بالتقوى والعمل الصالح، وساوى بين الرجال والنساء إنسانياً، لنا أن نتساءل عن أسباب المشاكل المنسوبة إلى الإسلام التي عانت منها المرأة المسلمة ولا تزال تعاني حتى اليوم.
للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نصحّح خطأين منهجيين:
أولهما: عدم التمييز بين الدين الكامل، السماوي، المقدس، وبين المعرفة الدينية، والتي هي ـ من الرأس وحتى أخمص القدمين ـ أرضية ٌ وإنسانية ٌ وقاصرة ٌ، لأنها بشرية وتحتاج إلى تعديل أو تكميل.
وثانيهما: هو فصل الدين عن تاريخيته، وتعميم الكلام على الحقوق التي أعطاها الإسلام للمرأة، علماً أن المرأة المسلمة لم تنعم عملياً بهذه الحقوق مجتمعة إلا في عهد النبي والخلفاء الراشدين، فقد كانت تجربة المدينة تمثل أنموذج العمل التاريخي، الذي كان يجب أن يُحتذى في ما بعد، وكانت تجربة فريدة في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان، ثم تغيّرت النظرة كما تغيرت الممارسة كلياً بعد الانقلاب الأموي، وفي أثناء الفتوحات، ومن الواجب أن نعرف أن الإسلام الذي دخل إلى البلدان المفتوحة، لم يكن هو الإسلام النقي الذي طـُبّق في الحجاز، فقد داخلته عوامل كثيرة، ترتبط بكيفية الفتح، وبكيفية تعامل الفاتحين مع سكان البلاد المفتوحة، إضافة إلى المعوّق اللغوي بين هؤلاء وبين فهم الدين، لذلك نجد أن هذه الشعوب قد حافظت على كثير من العادات السابقة على الإسلام، من دون أن يجرؤ الفقهاء، في ذلك الحين، على تحريمها، تحرجاً، وظلت بعض هذه العادات سائدة حتى الآن، ولم تتجرأ المؤسسة الفقهية الحديثة على تحريمها، ونضرب مثلاً على ذلك «موقف الأزهر من عادة ختان الفتيات»، هذه العادة غير الإسلامية التي أصبحت اليوم من القضايا الإشكالية التي تطرحها منظمات حقوق الإنسان العالمية، بعد أن أثبت الطب الحديث ضررها الصحي والنفسي.
هذا بالإضافة إلى أن الدول التي حكمت باسم الإسلام، منذ بداية الانقلاب الأموي، وحتى سقوط آخر الخلفاء العثمانيين (مع بقاء نماذج مشوهة عنها في كثير من البلدان الإسلامية)، وانحرفت هم جوهر ما فرضه الإسلام من مساواة بين البشر على المستوى الإنساني، وانحرفت عن العدالة، عندما فضّلت بعض الناس على بعضهم الآخر على أسس ليس من بينها التقوى والعمل الصالح، و«أدلجت» الدين كما «أدلجت المذهب»(2). لخلع المشروعية على حكمها، أكثر مما لجأت إلى حماية الدين والسّهر على تطبيقه، كما ينصّ على ذلك «قـَسَم البيعة»، وإن كان الفقهاء العدول، من غير المرتبطين بالسلطة، قد اهتموا بشأن تطبيق الشريعة، فإنهم لم يجدوا دائماً الحكومة الإسلامية العادلة التي تكفل هذا التطبيق.
كما أنّ سوء استغلال الحكـّام والمجتمع لعبارة (وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) (النساء: 36) ـ التي وردت في القرآن تعبيراً عن واقع معيّن ـ من دون الأخذ في الاعتبار أن الإسلام كان يهدف إلى إلغاء الرق نهائياً وبالتدرج ...، وذلك بحثـّه على عتق الأرقـّاء، زاد من سوء الأوضاع التي عانت منها النساء: الحرائرُ والجواري على حد سواء، وبدلاً من أن ينتهي الرق نهائياً كما كان يهدف الدين الحنيف، جرت الأمور على نحو معاكس كلياً، وكان من الطبيعي أن يتدنى وضع المرأة في ظلّ نظام الحريم الذي تزايد باطراد في الدولتين الأمويتين في الشام وفي الأندلس وفي الدولة العباسية وما بعدها... حيث حكمت الناس والمجتمع قوانين غير مكتوبة تنظـّم حياة الناس رجالاً ونساءً، وكانت هذه القوانين تعمل لمصلحة الطبقة المسيطرة التي كان من الصعب أن تتخلى عن امتيازاتها، وقد تبارى الخلفاء (الملوك) وسراة القوم، وقلـّدهم العامة في أحيان كثيرة، في شراء الجواري واقتنائهن، إذ كان وجودهن في القصور تتمة لحياة البذخ والتـرف التي كان يحياها الأسياد، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، أن المعتمد بن عبـّاد كان يمتلك حين خـُلِع عن العرش ثمانمئة امرأة(3)، وأن المغول وجدوا في بلاط المستعصم آخر الخلفاء العباسيين سبعمئة امرأة(4)، ناهيك عن أعداد النساء في بلاطات العثمانيين وأعدائهم الصفويين(5).
إن مراجعة كتاب «الأغاني» لأبي فرج الأصبهاني، أو كتاب «طوق الحمامة في الألفة والآلاف» لابن حزم الأندلسي، أو «رسالة القيان» للجاحظ، ترينا كيف تزايدت الإباحيّة والفجور بالتدرج في العصرين الأموي والعباسي وفي الأندلس، عدا أزمنة محدودة طبعاً. ولم يعد أحد يتحرج من الحديث عن العشق والجنس... لقد بلغت الإباحية أقصاها، فغدت فجوراً وانحلالاً... وسجل الفقهاء والعلماء والرجال العاديون أخبار علاقاتهم الجنسية، وحكايا جواريهم بوضوح وحرية، تفوق ما يبثـّه الإعلام الهابط اليوم من الفجور.
ولقد استمرت الحال في عصر المماليك والعثمانيين على هذا المنوال لدى الطبقات المسيطرة عدا أفراد قليلين منهم، وتفشّى الجهل بين الرجال والنساء، فأضيفت مصيبة ٌ جديدة ٌ إلى سابقاتها وانشغل العامة بالمستحبّات الدينية، وجهلوا الواجبات، هذا بالإضافة إلى الإيمان بالسحر والشعوذة والتنجيم والخرافات، والتعلـّق بأذيال المتصوفة الطرائقيين(6)، وتقديسهم على الرغم من انحرافهم عن الدين، وكثرت البدع والمذاهب الباطلة وجميعها لها اتباع بين العامة، وزاد نفوذ الفقهاء القشريين الذين تمسكوا بمجموعة من الأفكار الجامدة، فراحوا يفسّرون العدالة تفسيراً معوجاً بقيت آثاره حتى يومنا هذا.
وإن أغلب ما يعتقد أنه سلفيّة دينية هو في الحقيقة سلفية اجتماعية تلونت بالصبغة الدينية، وانتقت من التراث الديني ما يتوافق معها. ولعلّ استجابة المرأة العادية في المجتمعات العربية لأشكال التحجيم والتهميش جميعها، هي نتيجة ٌ لما ترسّخ في وعيها منذ مئات السنين، يوم كانت «جارية» في «دار الحريم» أو حرة يخاف عليها ذووها من الانحراف، أو السًّبي (على يد الصليبيين أو المغول والفرنجة في الأندلس أو المسلمين المتحاربين في ما بينهم في جميع البلاد الإسلامية من دون استثناء).
إنّ التحديات التي تواجه الفقهاء اليوم، والتي تتمثل في العادات والتقاليد تتمتع بسلطة أقوى من سلطة الدين، كما أن رجال الدين التقليديين والإخباريين أكثر تأثيراً في عامة الناس من النخبة القادرة على الاجتهاد، العالمة بحق.
لقد حَرَمت التربية التقليدية الفتاة من الوعي الاجتماعي بطبيعة الدور الإنساني والوطني الذي يمكنها القيام به، وكأن هنالك قوى خفية تريد لهذه المجتمعات أن تظلّ متخلّفة، فلا قيمة لأمة أمهات الرجال فيها متخلفات ناقصات العقول والحظوظ (فالعقول تضمر وتنقص ما لم تتغذ بالعلم والثقافة باستمرار، وهذا الأمر ينطبق على الرجال وعلى النساء).
- أسس جديدة للفقه الإسلامي:
إنّ الحاجة ماسّة إلى وضع أسس جديدة للفقه الإسلامي، ومنها الفقه الخاص بالمرأة، يأخذ في الاعتبار معنى الحدود في التشريع والظروف المستجدة بحسب الزمان والمكان من دون الوقوف على ظاهر النص أو حرفيته (ما من ضرورة اليوم بعد إلغاء الرق في العالم أن يجري الكلام على ملك اليمين)، لإقامة التوازن بين المعنى والمبنى وتطبيقاً لمفهوم العدل في الإسلام.
المشكلة أساساً مشكلة أخلاقية، أي مشكلة تربوية، تتعلق بطبيعة التربية الدينية التي تركز على التقوى الفردية، أي علاقة الفرد بخالقه، من دون الأخذ في الاعتبار التقوى الاجتماعية، أو الحدّ الأدنى من الأخلاق العامة الملزمة للناس جميعهم، بيضاً كانوا أم سوداً، عرباً أم عجماً، رجالاً أم نساءً.
- مساواة الأفراد في الحقوق والواجبات:
إن مساواة الأفراد في الحقوق والواجبات، أمرٌ تقتضيه الفطرة في الوظائف والحقوق الاجتماعية، كل بحسب طبيعته وتركيبه الفيزيولوجي والعقلي والنفسي، فالعدل الاجتماعي يعني أن يُعطى كل ذي حق حقه.
وأول حق أعطاه الإسلام للمرأة بشكل مباشر هو حق العمل السياسي، وقد بدأ الإسلام تحرير المرأة بإعطائها هذا الحق، وقد كانت المرأة المسلمة مع الرجل على حدِّ سواء، شاركت بمالها (خديجة)، وكافحت عقدياً سميّة أول شهداء الإسلام، واشتركت النساء في الهجرة إلى الحبشة ويثرب، وحضرن بيعة العقبة الأولى.
وإذا كانت المرأة لم تحكم فإنّ ذلك كان ضمن سياق تاريخي معين، لا ضمن تشريع إسلامي، وجميع الأحاديث التي يتذرع بها المعاندون مرتبطة بواقع تاريخي معين، أو أنها أحاديث موضوعة في زمن الانحراف التاريخي، أو الانهيارات السياسية وتفشي الأمية الذي استمر ألف عام.
لقد ضرب الله قصة مريم (عليها السلام) وقصة امرأة فرعون مثلاً للمؤمنين والمؤمنات، وجعلهما قدوة وأنموذجاً أمثل للرجال وللنساء، ويحدثنا التاريخ الإسلامي الأول عن نماذج لا تقل قيمة وفاعلية عن الرجال إنْ لم تتفوق على معظمهم.
يكفي ذكر السيدة خديجة والزهراء (عليهما السلام) وموقفها من قضية فدك وموقفها من الخلافة وخطبتها البليغة التي وضحت فيها موقفها، و«أم سلمة» ودورها في حل المعضلة السياسية التي رافقت غزوة الحديبية، وموقفها من معركة الجمل، وموقف «زينب» (عليها السلام) وخطبتها في محضر يزيد، وموقف خولة بنت الأزور، ولا ننسى أنّ ثلث السُنـّة النبوية المصدر الثاني في التشريع عند معظم المذاهب الإسلامية منقول عن عائشة (رض)، وفي العصر الحديث فالنماذج كثيرة في فلسطين والعراق ولبنان وإيران ومصر و...؟
كما أنّ الله عزّ وجل ذكر في القرآن، في سورة النمل، حالة امرأة حاكمة هي بلقيس عاملها سليمان (عليه السلام) معاملة الندّ للند... وكان رأيها عاقلا ً متزناً، استشارت قومها، واتخذت قراراً يدل على شخصية عاقلة، تحسب للأمور حساباتها الدقيقة قبل أن تتخذ أي قرار، وهذا مثلٌ يبيّن أن المرأة الحكيمة يمكن أن تكون من ضمن النخبة التي تقرّر مصير المجتمع. وقد أثبتت حركة التاريخ في العصور المتأخرة، وجود نماذج أثبتن فاعليتهن السياسية والعلمية والثقافية والإدارية والاجتماعية حين توافرت لهنّ ظروف التوازن والإبداع.
- العلاقة الزوجية:
أمّا بالنسبة إلى العلاقة الزوجية فقد حدّد القرآن أنها يجب أن تكون مبنية على المودة والرحمة، ولذلك فإن كل زواج يخلو من المودة والرحمة ويُبنى على مطامع مادية أو معنوية ليس زواجاً إسلامياً (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)(7). (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(8) (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)(9)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)(10).
إنّ المجتمع القرآني هو مجتمع الجنسين، يقوم كلٌ من المرأة والرجل بواجباته الخاصة، وهذا النظام يؤمن سلامة المجتمع ورفاهه، وهو في صالح أعضاء المجتمع جميعهم، وفي مجال تقسيم العمل، فإن المسؤولية الاقتصادية ملقاة على عاتق الرجل أكثر من المرأة. أما عن دور المرأة فقد قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ)(11).
لقد حمل القرآن مسؤولية إدارة هذه المؤسسة التي هي الأسرة للرجل وحمّل مسؤولية الإنفاق شريطة أن يكون عاقلا ً تقياً، لأن الله عزّوجل فضل الناس على بعضهم بالتقوى والتعقل:
(الرِّجَالُ)(12).
إن شرط قيمومة الرجل التقوى والتعقل والإنفاق، ولا تبطل ما للمرأة من الاستقلال في الإرادة الفردية بأن تري ما أحبّت وتفعل ما شاءت من غير أن يحق للرجل أن يعارضها في شيء من ذلك في غير المنكر(13). إضافة إلى أن كلمة «قوام» لا تعني التسلط الاستبدادي، بل تعني نهوض فرد لحماية فرد آخر ومساعدته: إن وضع المسؤولية الإنفاق بيد الزوج فيها صلاح العائلة، ومصلحة الأولاد تقتضي أن تتفرغ الأم لأبنائها الصغار أو الرضع، لتخفف عن الزوج الأعباء المالية، فيقع عليها ظلم مضاعف وتُستغل مرتين في البيت وخارجه، وتتشتت العائلة.
لكن سوء تطبيق مفهوم القوامة بشكل تعسّفي، هو سوء استغلال للسلطة أو للموقع، كما هو واقع الحال في جميع مجالات الحياة.قديماً وحديثاً... والأمر كله مرتبط بالتقوى التي هي وحدها ميزات التفاضل بين الناس.
إن موضوع الزواج يستدعي كلاماً على موضوع الطلاق، الذي صار بدوره وسيلة من وسائل التعسف والإجحاف اللاحقين بالمرأة وسلسلة المشاكل التي يخلقها الزوج الذي بيده الحل والربط، والضغوط المادية والمعنوية التي يمارسها الرجل ومحيطه والمجتمع ككل على المرأة المطلقة. وقد قال تعالى: (فإنْ)(14)، وقال: (الطَّلاقُ)(15)، (يَا أََيُّها)(16).
(وإنْ)(17).
أما السائد المخالف للدين صراحة، على الرغم من أن آيات الأحكام هذه محكمة ٌ وليست من المتشابه ولا تحتمل التأويل، فالذنب فيه يقع على عاتق من بيدهم الحل والربط طالما أن المجتمع ليس مجتمع أتقياء:
ـ الطلاق الشفوي عند بعض المذاهب الإسلامية الذي يُعدُ من اللغو ولا أساس له في النص القرآني.
ـ الطلاق الغيابي الذي يعترف به بعض الفقهاء على الرغم من مخالفته للنص.
ـ مفهوم بيت الطاعة، والنفقة الهزيلة، مفهوم التعدّدية العشوائي، والطلاق التعسفي.
ـ اضطهاد المرأة إلى درجة تصبح فيها مستعدة للتنازل عن المهر وعن أكثر منه.
لا بد أن نشير هنا إلى موضوع تعدد الزوجات وتطبيقه المخالف للنص جملة ً وتفصيلا ً على الرغم من وضوح النص لمن يعرف العربية ويعرف دور إلغاء الرابطة لجواب الشرط في قوله تعالى: «فإن خفتم)(18).النساء : 3.
وقد جاءت هذه الآية معطوفة على التي قبلها في قوله «وإن» والتي قبلها وردت بحق اليتامى في قوله تعالى: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً)(19).
أتساءل: كيف فـُهم من هذه الآية السماح بالتعدد، من دون قيد أو شرط، وأمثلة التعدد المعروفة في مجتمعاتنا لا توحي بالثقة، ومن يستطع أن يقدم مثلاً على التعدد (لدى غير المعصومين) الذي استطاع من قام به أن يعدل في الحدود الدنيا بين نسائه وبين أولاده من أمهات مختلفات، فليدل بدلوه ويذكره لنا! علماً أن هنالك وشواهد لا تحصى عن رجال أو فقهاء عدول من الناحية الفقهية ولكن التمييز كان بيناً بين أولادهم بحسب مكانة الأم لدى الزوج فكيف بغير العدول؟
الإسلام دين العدل، كما أمر الله عزّوجل في آيات لا تعد ولا تحصى.
(وَلَنْ تَسْتَطيعُوا)(20).
الكلام عربيٌ واضحٌ لا مجاز فيه ولا يحتمل التأويل! أما الذين تزوجوا أربع نساء أسوة بالنبي فكأنهم لم يقرأوا قوله عزّوجل: (مَا كَانَ)(21).
وقوله: (يَا نِسَاءَ)(22).
- الإرث:
إن قانون الإرث في الإسلام نسخ القوانين التي كانت سائدة في المجتمعات المختلفة قبله، وقد كان السائد في معظم الأمم أن النساء كنّ يُحرمن من الإرث وكذلك صغار الأبناء، وكانت الحصة الأساسية في الإرث عند العرب قبل الإسلام هي لأرشد الأبناء ومن يستطيع منهم أن يدافع عن الحرمات، ما فعله الإسلام أنه بنى الإرث على الرحم التي هي من الفطرة والخلقة الثابتة، وألغى إرث الأدعياء، ثم أخرج الوصية من تحت عنوان الإرث وأفرد لها عنواناً مستقلاً. والأحكام القرآنية تؤكد على ضرورة التلاحم بين أعضاء الأسرة الواسعة وتحث على تقويتها:
(لِلرِّجَالِ)(23).
وقال تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي)(24).
إن آيات الإرث آيات حدودية حيث أعطى الله للأنثى نصف حصة الذكر حدّاً أدنى، وهذا الحد الأدنى في حالة عدم مشاركة المرأة في المسؤولية المالية للأسرة، أما في حالة المشاركة وعلى افتراض أن ابنه الموِّرث أرملة تربي أيتاماً، فأقرب للتقوى، وتطبيقاً لفريضة العدل، يمكن للأب التقي العادل، أو الفقيه التقي العادل، أن يساوي بينها وبين أخيها، لا يجوز له تعدّي الحدود الدنيا أو العليا، ولكن بإمكانه التحرك ضمن الحديّن الأدنى والأعلى بحسب نسبة المشاركة وما تفرضه الظروف الموضوعية.
- لباس المرأة والرجل وسلوكهما الاجتماعي:
جاء الكلام على لباس المرأة في آيتين حدوديتين في سورة النور والتي تبدأ بقوله تعالى: (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا)(25).
يقول الله عزّوجل بالنسبة إلى الرجل: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ)(26).
أي أن المؤمنين والمؤمنات المهذبين يغضّون من أبصارهم ويحفظون فروجهم وذلك من الفرائض، والفريضة الثالثة المتعلقة بالمرأة دون الرجل هي أن لا تبدي من زينتها ما خفي منها، وهنا يقع وجه الخلاف بين الفقهاء حول الزينة الظاهرة والزينة المخفية، وهل الزينة الظاهرة ما ظهر من زينة المرأة بالخلق، والزينة المخفية الجيوب المستورة (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (النور: 31)، أم غير ذلك؟
- المرأة المسلمة والقضاء:
اختلف الفقهاء المسلمون ولا يزالون حول مسألة شرعية إسهام المرأة المسلمة في الحقل العام عبر شغلها بعض المناصب التي تعدّ حسّاسة كالوزارة أو الرئاسة أو القضاء.
الذين يرون عدم أهلية المرأة لهذه المواقع وبخاصة القضاء، يستندون إلى أهلية المرأة للشهادة التي جاءت في سياق قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)(28).
وواضح هنا أن الموضوع متعلق بالصدقات والتجارة والرهن. أي أنّ هذا الأمر مرتبط بالحق المالي.
كما أن المعارضين يستندون إلى الأعراف التي ترى المرأة مخلوقاً فاقد الأهلية، والتي دلت الوقائع على تهافتها... وهم يجعلون الذكورة شرطاً من جملة شروط هي الذكورة والعقل والبلوغ والإسلام، وأن يكون سميعاً بصيراً ناطقاً عالماً بالأحكام الشرعية، وهذه الشروط متفق عليها جميعاً ما عدا شروط الذكورة الذي اختلف فيه الأحناف مع الآخرين ولم يوجبوا أن يكون القاضي ذكراً(29)، في قضايا الأموال أو ما يُسمى اليوم بالقضاء المدني، واتفقوا مع الآخرين في ما إذا كان القضاء جنائياً.
وقد احتج الجمهور في ما ذهبوا إليه بقوله تعالى: (الرِّجَالُ) وقالو: إن ولاية القضاء تحتاج إلى رأي سديد ناضج والمرأة قد يفوتها شيء من الوقائع بسبب نسيانها فيكون حكمها جوراً، وهي لا تصلح للولاية العامة لقول النبي: (لن يفلح قومٌ ولـّوا أمرهم امرأة).
فأما حملهم الآية القرآنية: (الرِّجَالُ) على منع المرأة من تولي منصب القضاء، أو غيره من مناصب الولاية العامة، فهو قي غير موضعه مطلقاً، لأن الآية تتحدث عن علاقة الرجل بالمرأة في المؤسسة الزوجية، كما ذكرنا سابقاً، أما احتجاجهم بحديث الرسول ففي غير محله أيضاً، لأن الحديث جاء على سبيل البشارة للمسلمين بأن دولة فارس ستزول، وليس فيه دليل على عدم جواز تولي المرأة القضاء أو المناصب العامة. أما القول إن القضاء ولاية تحتاج إلى رأي سديد ناضج يصعب أن يصدر عن المرأة، فمن قال لهم ذلك؟ ومن قال إن القضاة الذكور غير معرّضين للنسيان، وأنهم يعتمدون على الذاكرة في حفظ الوقائع واسترجاعها قبل الحكم؟
ذلك كله يجعلنا نعيد القول الذي بدأنا به حديثنا، وهو أن الحاجة ماسة ٌ إلى وضع أسس جديدة للفقه الإسلامي، ومنه الفقه الخاص بالمرأة يأخذ في الاعتبار معنى الحدود في التشريع، والظروف الموضوعية المستجدة، تطبيقاً لمفهوم العدل في الإسلام تطبيقاً لقوله عزّ وجل: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
حقوق المرأة في الإسلام..بين النص والممارسة
البدء من النصّ الثابت المقدس:
أرى أن الكلام على حقوق المرأة في الإسلام، كالكلام على حقوق الإنسان، أو أي موضوع كلاميٍّ آخر، يجب أن يبدأ من النص المقدس أولاً (القرآن والسنة الصحيحة)، والتعرّف من ثم إلى المسيرة التي قطعها فهم هذا النص المقدس على مدى العصور، وربطـُ هذا الفهم بالظروف التاريخية والجغرافية والثقافية والاجتماعية التي صدر عنها، للتمييز بين النص الثابت المقدس، وبين فهمه المتحول والمتغير، هذا النص المقدس يظل نقياً خالصاً من الشوائب، أما فهم هذا النص، أي المعرفة الدينية المتمثلة بالفقه وعلم الكلام والفلسفة، فبشرية ٌ يسري عليها ما يسري على غيرها من معارف البشر وعلومهم، وتدخلُ فيها أمورٌ غيرُ معرفية وذاتية تؤثر فيها وتؤدي إلى محدوديتها. وهي، كأي معرفة بشرية أخرى، مرآة تطور وجود الإنسان ونموّه، لا تؤثر فيها قوى الإنسان العاقلة وحدها وإنما تؤثر فيها كذلك الشهوة والغضب والميول والغرائز والأفكار المسبقة والأهواء والتجارب، وخصالُ الإنسان الشريفة وصفاته الوضيعة. فعلى سبيل المثال، كثر وضّاعوا الحديث لغايات متعددة فشوهوا بذلك المعرفة الدينية، بحيث أن أي محدّث أو فقيه يراجع الكتب الدينية يواجهه خليطـٌ مضطربٌ من الأفكار، والوسائل التي يمتلكها لتنقيتها بشرية ٌ، وقدراته (بوصفه بشرياً غير معصوم) محدودة، ولا يستطيع أن يصل إلى القول الفصل في تمييز الحسن من الرديء، والصحيح من السقم، إلا بعرضه على النص الثابت المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
إن فقه فلان وعلم كلام فلان هو إدراكه للدين، وهذا الإدراك للدين ليس ثابتاً كالدين نفسه، كما هو الأمر بالنسبة إلى علم الفيزياء تماماً، فالطبيعة التي خلقها الله ثابتة، أما العلوم الطبيعية والفيزياء والرياضيات فهي من صنع الإنسان واكتشافه وعليها صبغة الإنسان ولون المجتمع الإنساني والروح الإنسانية، ولها هويّة ُ متحركة ٌ ومتغيرة ٌ ومتجددة ٌ باستمرار.
أن القول عن كلام فلان، من المفسرين أو من الفقهاء: إنه غير صحيح وغير مترابط، معناه أننا نقارن في الواقع فهمه للإسلام بفهم آخر للإسلام، فما رآه المرحوم مرتضى مطهّري، مثلاً، في ما يتعلـّق بالمرأة وحقوقها بوصفها إنساناً، وقدّم الأدلة عليه من النص الثابت نفسه، ينافي جملة وتفصيلاً فهم أستاذة الملاّ هادي السبزواري له(1).. لقد اهتم المرحوم مطهري بقضية المرأة في الإسلام، وكان بحثه، في هذا السياق، من المباحث الكلامية الجديدة، لأن موضوع المرأة لم يُطرح على الإطلاق في الكتابات الفقهية بوصفه موضوعاً مستقلاً بعنوان «المرأة» أو «حقوق المرأة» أو «منزلة المرأة في المجتمع».
لقد كان من الطبيعي أن يدخل الذين بحثوا حقوق المرأة في الإسلام، من المعاصرين، إلى رحاب الشريعة من معابر جديدة، غير تلك التي سلكها القدماء، وهذا يستوجب البحث والتنقيب، ويتطلب وسائل جديدة ومنظاراً جديداً للتوصل، بعد البحث والتنقيب، إلى نتائج جديدة.
وهذا الموضوع ليس مستقلاً عن مسائل الشريعة الأخرى أو غريباً عنها، فهو مرتبطـٌ بموضوعات كثيرة، أولها كيفية خلق الإنسان «كما وردت في النص المقدس»، وليس كما وردت في التفاسير التي استعارت قصة الخلق من التوراة المحرفة، ومرتبط بالعلوم الطبيعية، وعلم التشريح والأمراض والأعصاب لردّ الكلام غير العلمي الذي كان مناسباً للمرحلة السابقة على تقدم العلوم الطبيّة؛ ومرتبط بالعلوم الإنسانية، كعلم التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم اللغة وعلم التربية، ومرتبطـٌ أيضاً بنظرة الإسلام إلى الإنسان «بالمطلق»، واعترافه بحقوقه الطبيعية.
لذلك من الواجب، للعثور على حلول للمشكلات، الحفر بعمق وجدية في حقل الشريعة وفي حقول المعارف البشرية جميعها. وقضية المرأة من القضايا والتحديات العديدة التي يواجهها علم الكلام الإسلامي الجديد، ومنها التطور والتكامل والحرية وأساليب الحكم والسياسة والتقانة والعولمة، و...
من هذا المنطلق يجب أن يكون الكلام الجديد متناسباً مع العلوم الأخرى التي ولد معها، لا يكفي أن تقدم صورة جديدة للدين، وتوضع مع الصورة القديمة في الإطار نفسه، وإنما يجب رسم لوحة جديدة تأخذ في الاعتبار حقوق الإنسان، كما أوردتها الشريعة وفهماً لهذه الحقوق مستنداً إلى العلوم الجديدة التي تخدم هذا الفهم.
- جذور القضية
- أسباب المشكلات التي عانت منها المرأة المسلمة:
بالعودة إلى جذر القضية المطروحة، ومن منطلق أن الإسلام جاء ثورة شاملة، غطـّت كل نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ولم يفضل إنساناً على آخر إلا بالتقوى والعمل الصالح، وساوى بين الرجال والنساء إنسانياً، لنا أن نتساءل عن أسباب المشاكل المنسوبة إلى الإسلام التي عانت منها المرأة المسلمة ولا تزال تعاني حتى اليوم.
للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نصحّح خطأين منهجيين:
أولهما: عدم التمييز بين الدين الكامل، السماوي، المقدس، وبين المعرفة الدينية، والتي هي ـ من الرأس وحتى أخمص القدمين ـ أرضية ٌ وإنسانية ٌ وقاصرة ٌ، لأنها بشرية وتحتاج إلى تعديل أو تكميل.
وثانيهما: هو فصل الدين عن تاريخيته، وتعميم الكلام على الحقوق التي أعطاها الإسلام للمرأة، علماً أن المرأة المسلمة لم تنعم عملياً بهذه الحقوق مجتمعة إلا في عهد النبي والخلفاء الراشدين، فقد كانت تجربة المدينة تمثل أنموذج العمل التاريخي، الذي كان يجب أن يُحتذى في ما بعد، وكانت تجربة فريدة في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان، ثم تغيّرت النظرة كما تغيرت الممارسة كلياً بعد الانقلاب الأموي، وفي أثناء الفتوحات، ومن الواجب أن نعرف أن الإسلام الذي دخل إلى البلدان المفتوحة، لم يكن هو الإسلام النقي الذي طـُبّق في الحجاز، فقد داخلته عوامل كثيرة، ترتبط بكيفية الفتح، وبكيفية تعامل الفاتحين مع سكان البلاد المفتوحة، إضافة إلى المعوّق اللغوي بين هؤلاء وبين فهم الدين، لذلك نجد أن هذه الشعوب قد حافظت على كثير من العادات السابقة على الإسلام، من دون أن يجرؤ الفقهاء، في ذلك الحين، على تحريمها، تحرجاً، وظلت بعض هذه العادات سائدة حتى الآن، ولم تتجرأ المؤسسة الفقهية الحديثة على تحريمها، ونضرب مثلاً على ذلك «موقف الأزهر من عادة ختان الفتيات»، هذه العادة غير الإسلامية التي أصبحت اليوم من القضايا الإشكالية التي تطرحها منظمات حقوق الإنسان العالمية، بعد أن أثبت الطب الحديث ضررها الصحي والنفسي.
هذا بالإضافة إلى أن الدول التي حكمت باسم الإسلام، منذ بداية الانقلاب الأموي، وحتى سقوط آخر الخلفاء العثمانيين (مع بقاء نماذج مشوهة عنها في كثير من البلدان الإسلامية)، وانحرفت هم جوهر ما فرضه الإسلام من مساواة بين البشر على المستوى الإنساني، وانحرفت عن العدالة، عندما فضّلت بعض الناس على بعضهم الآخر على أسس ليس من بينها التقوى والعمل الصالح، و«أدلجت» الدين كما «أدلجت المذهب»(2). لخلع المشروعية على حكمها، أكثر مما لجأت إلى حماية الدين والسّهر على تطبيقه، كما ينصّ على ذلك «قـَسَم البيعة»، وإن كان الفقهاء العدول، من غير المرتبطين بالسلطة، قد اهتموا بشأن تطبيق الشريعة، فإنهم لم يجدوا دائماً الحكومة الإسلامية العادلة التي تكفل هذا التطبيق.
كما أنّ سوء استغلال الحكـّام والمجتمع لعبارة (وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) (النساء: 36) ـ التي وردت في القرآن تعبيراً عن واقع معيّن ـ من دون الأخذ في الاعتبار أن الإسلام كان يهدف إلى إلغاء الرق نهائياً وبالتدرج ...، وذلك بحثـّه على عتق الأرقـّاء، زاد من سوء الأوضاع التي عانت منها النساء: الحرائرُ والجواري على حد سواء، وبدلاً من أن ينتهي الرق نهائياً كما كان يهدف الدين الحنيف، جرت الأمور على نحو معاكس كلياً، وكان من الطبيعي أن يتدنى وضع المرأة في ظلّ نظام الحريم الذي تزايد باطراد في الدولتين الأمويتين في الشام وفي الأندلس وفي الدولة العباسية وما بعدها... حيث حكمت الناس والمجتمع قوانين غير مكتوبة تنظـّم حياة الناس رجالاً ونساءً، وكانت هذه القوانين تعمل لمصلحة الطبقة المسيطرة التي كان من الصعب أن تتخلى عن امتيازاتها، وقد تبارى الخلفاء (الملوك) وسراة القوم، وقلـّدهم العامة في أحيان كثيرة، في شراء الجواري واقتنائهن، إذ كان وجودهن في القصور تتمة لحياة البذخ والتـرف التي كان يحياها الأسياد، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، أن المعتمد بن عبـّاد كان يمتلك حين خـُلِع عن العرش ثمانمئة امرأة(3)، وأن المغول وجدوا في بلاط المستعصم آخر الخلفاء العباسيين سبعمئة امرأة(4)، ناهيك عن أعداد النساء في بلاطات العثمانيين وأعدائهم الصفويين(5).
إن مراجعة كتاب «الأغاني» لأبي فرج الأصبهاني، أو كتاب «طوق الحمامة في الألفة والآلاف» لابن حزم الأندلسي، أو «رسالة القيان» للجاحظ، ترينا كيف تزايدت الإباحيّة والفجور بالتدرج في العصرين الأموي والعباسي وفي الأندلس، عدا أزمنة محدودة طبعاً. ولم يعد أحد يتحرج من الحديث عن العشق والجنس... لقد بلغت الإباحية أقصاها، فغدت فجوراً وانحلالاً... وسجل الفقهاء والعلماء والرجال العاديون أخبار علاقاتهم الجنسية، وحكايا جواريهم بوضوح وحرية، تفوق ما يبثـّه الإعلام الهابط اليوم من الفجور.
ولقد استمرت الحال في عصر المماليك والعثمانيين على هذا المنوال لدى الطبقات المسيطرة عدا أفراد قليلين منهم، وتفشّى الجهل بين الرجال والنساء، فأضيفت مصيبة ٌ جديدة ٌ إلى سابقاتها وانشغل العامة بالمستحبّات الدينية، وجهلوا الواجبات، هذا بالإضافة إلى الإيمان بالسحر والشعوذة والتنجيم والخرافات، والتعلـّق بأذيال المتصوفة الطرائقيين(6)، وتقديسهم على الرغم من انحرافهم عن الدين، وكثرت البدع والمذاهب الباطلة وجميعها لها اتباع بين العامة، وزاد نفوذ الفقهاء القشريين الذين تمسكوا بمجموعة من الأفكار الجامدة، فراحوا يفسّرون العدالة تفسيراً معوجاً بقيت آثاره حتى يومنا هذا.
وإن أغلب ما يعتقد أنه سلفيّة دينية هو في الحقيقة سلفية اجتماعية تلونت بالصبغة الدينية، وانتقت من التراث الديني ما يتوافق معها. ولعلّ استجابة المرأة العادية في المجتمعات العربية لأشكال التحجيم والتهميش جميعها، هي نتيجة ٌ لما ترسّخ في وعيها منذ مئات السنين، يوم كانت «جارية» في «دار الحريم» أو حرة يخاف عليها ذووها من الانحراف، أو السًّبي (على يد الصليبيين أو المغول والفرنجة في الأندلس أو المسلمين المتحاربين في ما بينهم في جميع البلاد الإسلامية من دون استثناء).
إنّ التحديات التي تواجه الفقهاء اليوم، والتي تتمثل في العادات والتقاليد تتمتع بسلطة أقوى من سلطة الدين، كما أن رجال الدين التقليديين والإخباريين أكثر تأثيراً في عامة الناس من النخبة القادرة على الاجتهاد، العالمة بحق.
لقد حَرَمت التربية التقليدية الفتاة من الوعي الاجتماعي بطبيعة الدور الإنساني والوطني الذي يمكنها القيام به، وكأن هنالك قوى خفية تريد لهذه المجتمعات أن تظلّ متخلّفة، فلا قيمة لأمة أمهات الرجال فيها متخلفات ناقصات العقول والحظوظ (فالعقول تضمر وتنقص ما لم تتغذ بالعلم والثقافة باستمرار، وهذا الأمر ينطبق على الرجال وعلى النساء).
- أسس جديدة للفقه الإسلامي:
إنّ الحاجة ماسّة إلى وضع أسس جديدة للفقه الإسلامي، ومنها الفقه الخاص بالمرأة، يأخذ في الاعتبار معنى الحدود في التشريع والظروف المستجدة بحسب الزمان والمكان من دون الوقوف على ظاهر النص أو حرفيته (ما من ضرورة اليوم بعد إلغاء الرق في العالم أن يجري الكلام على ملك اليمين)، لإقامة التوازن بين المعنى والمبنى وتطبيقاً لمفهوم العدل في الإسلام.
المشكلة أساساً مشكلة أخلاقية، أي مشكلة تربوية، تتعلق بطبيعة التربية الدينية التي تركز على التقوى الفردية، أي علاقة الفرد بخالقه، من دون الأخذ في الاعتبار التقوى الاجتماعية، أو الحدّ الأدنى من الأخلاق العامة الملزمة للناس جميعهم، بيضاً كانوا أم سوداً، عرباً أم عجماً، رجالاً أم نساءً.
- مساواة الأفراد في الحقوق والواجبات:
إن مساواة الأفراد في الحقوق والواجبات، أمرٌ تقتضيه الفطرة في الوظائف والحقوق الاجتماعية، كل بحسب طبيعته وتركيبه الفيزيولوجي والعقلي والنفسي، فالعدل الاجتماعي يعني أن يُعطى كل ذي حق حقه.
وأول حق أعطاه الإسلام للمرأة بشكل مباشر هو حق العمل السياسي، وقد بدأ الإسلام تحرير المرأة بإعطائها هذا الحق، وقد كانت المرأة المسلمة مع الرجل على حدِّ سواء، شاركت بمالها (خديجة)، وكافحت عقدياً سميّة أول شهداء الإسلام، واشتركت النساء في الهجرة إلى الحبشة ويثرب، وحضرن بيعة العقبة الأولى.
وإذا كانت المرأة لم تحكم فإنّ ذلك كان ضمن سياق تاريخي معين، لا ضمن تشريع إسلامي، وجميع الأحاديث التي يتذرع بها المعاندون مرتبطة بواقع تاريخي معين، أو أنها أحاديث موضوعة في زمن الانحراف التاريخي، أو الانهيارات السياسية وتفشي الأمية الذي استمر ألف عام.
لقد ضرب الله قصة مريم (عليها السلام) وقصة امرأة فرعون مثلاً للمؤمنين والمؤمنات، وجعلهما قدوة وأنموذجاً أمثل للرجال وللنساء، ويحدثنا التاريخ الإسلامي الأول عن نماذج لا تقل قيمة وفاعلية عن الرجال إنْ لم تتفوق على معظمهم.
يكفي ذكر السيدة خديجة والزهراء (عليهما السلام) وموقفها من قضية فدك وموقفها من الخلافة وخطبتها البليغة التي وضحت فيها موقفها، و«أم سلمة» ودورها في حل المعضلة السياسية التي رافقت غزوة الحديبية، وموقفها من معركة الجمل، وموقف «زينب» (عليها السلام) وخطبتها في محضر يزيد، وموقف خولة بنت الأزور، ولا ننسى أنّ ثلث السُنـّة النبوية المصدر الثاني في التشريع عند معظم المذاهب الإسلامية منقول عن عائشة (رض)، وفي العصر الحديث فالنماذج كثيرة في فلسطين والعراق ولبنان وإيران ومصر و...؟
كما أنّ الله عزّ وجل ذكر في القرآن، في سورة النمل، حالة امرأة حاكمة هي بلقيس عاملها سليمان (عليه السلام) معاملة الندّ للند... وكان رأيها عاقلا ً متزناً، استشارت قومها، واتخذت قراراً يدل على شخصية عاقلة، تحسب للأمور حساباتها الدقيقة قبل أن تتخذ أي قرار، وهذا مثلٌ يبيّن أن المرأة الحكيمة يمكن أن تكون من ضمن النخبة التي تقرّر مصير المجتمع. وقد أثبتت حركة التاريخ في العصور المتأخرة، وجود نماذج أثبتن فاعليتهن السياسية والعلمية والثقافية والإدارية والاجتماعية حين توافرت لهنّ ظروف التوازن والإبداع.
- العلاقة الزوجية:
أمّا بالنسبة إلى العلاقة الزوجية فقد حدّد القرآن أنها يجب أن تكون مبنية على المودة والرحمة، ولذلك فإن كل زواج يخلو من المودة والرحمة ويُبنى على مطامع مادية أو معنوية ليس زواجاً إسلامياً (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)(7). (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(8) (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)(9)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)(10).
إنّ المجتمع القرآني هو مجتمع الجنسين، يقوم كلٌ من المرأة والرجل بواجباته الخاصة، وهذا النظام يؤمن سلامة المجتمع ورفاهه، وهو في صالح أعضاء المجتمع جميعهم، وفي مجال تقسيم العمل، فإن المسؤولية الاقتصادية ملقاة على عاتق الرجل أكثر من المرأة. أما عن دور المرأة فقد قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ)(11).
لقد حمل القرآن مسؤولية إدارة هذه المؤسسة التي هي الأسرة للرجل وحمّل مسؤولية الإنفاق شريطة أن يكون عاقلا ً تقياً، لأن الله عزّوجل فضل الناس على بعضهم بالتقوى والتعقل:
(الرِّجَالُ)(12).
إن شرط قيمومة الرجل التقوى والتعقل والإنفاق، ولا تبطل ما للمرأة من الاستقلال في الإرادة الفردية بأن تري ما أحبّت وتفعل ما شاءت من غير أن يحق للرجل أن يعارضها في شيء من ذلك في غير المنكر(13). إضافة إلى أن كلمة «قوام» لا تعني التسلط الاستبدادي، بل تعني نهوض فرد لحماية فرد آخر ومساعدته: إن وضع المسؤولية الإنفاق بيد الزوج فيها صلاح العائلة، ومصلحة الأولاد تقتضي أن تتفرغ الأم لأبنائها الصغار أو الرضع، لتخفف عن الزوج الأعباء المالية، فيقع عليها ظلم مضاعف وتُستغل مرتين في البيت وخارجه، وتتشتت العائلة.
لكن سوء تطبيق مفهوم القوامة بشكل تعسّفي، هو سوء استغلال للسلطة أو للموقع، كما هو واقع الحال في جميع مجالات الحياة.قديماً وحديثاً... والأمر كله مرتبط بالتقوى التي هي وحدها ميزات التفاضل بين الناس.
إن موضوع الزواج يستدعي كلاماً على موضوع الطلاق، الذي صار بدوره وسيلة من وسائل التعسف والإجحاف اللاحقين بالمرأة وسلسلة المشاكل التي يخلقها الزوج الذي بيده الحل والربط، والضغوط المادية والمعنوية التي يمارسها الرجل ومحيطه والمجتمع ككل على المرأة المطلقة. وقد قال تعالى: (فإنْ)(14)، وقال: (الطَّلاقُ)(15)، (يَا أََيُّها)(16).
(وإنْ)(17).
أما السائد المخالف للدين صراحة، على الرغم من أن آيات الأحكام هذه محكمة ٌ وليست من المتشابه ولا تحتمل التأويل، فالذنب فيه يقع على عاتق من بيدهم الحل والربط طالما أن المجتمع ليس مجتمع أتقياء:
ـ الطلاق الشفوي عند بعض المذاهب الإسلامية الذي يُعدُ من اللغو ولا أساس له في النص القرآني.
ـ الطلاق الغيابي الذي يعترف به بعض الفقهاء على الرغم من مخالفته للنص.
ـ مفهوم بيت الطاعة، والنفقة الهزيلة، مفهوم التعدّدية العشوائي، والطلاق التعسفي.
ـ اضطهاد المرأة إلى درجة تصبح فيها مستعدة للتنازل عن المهر وعن أكثر منه.
لا بد أن نشير هنا إلى موضوع تعدد الزوجات وتطبيقه المخالف للنص جملة ً وتفصيلا ً على الرغم من وضوح النص لمن يعرف العربية ويعرف دور إلغاء الرابطة لجواب الشرط في قوله تعالى: «فإن خفتم)(18).النساء : 3.
وقد جاءت هذه الآية معطوفة على التي قبلها في قوله «وإن» والتي قبلها وردت بحق اليتامى في قوله تعالى: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً)(19).
أتساءل: كيف فـُهم من هذه الآية السماح بالتعدد، من دون قيد أو شرط، وأمثلة التعدد المعروفة في مجتمعاتنا لا توحي بالثقة، ومن يستطع أن يقدم مثلاً على التعدد (لدى غير المعصومين) الذي استطاع من قام به أن يعدل في الحدود الدنيا بين نسائه وبين أولاده من أمهات مختلفات، فليدل بدلوه ويذكره لنا! علماً أن هنالك وشواهد لا تحصى عن رجال أو فقهاء عدول من الناحية الفقهية ولكن التمييز كان بيناً بين أولادهم بحسب مكانة الأم لدى الزوج فكيف بغير العدول؟
الإسلام دين العدل، كما أمر الله عزّوجل في آيات لا تعد ولا تحصى.
(وَلَنْ تَسْتَطيعُوا)(20).
الكلام عربيٌ واضحٌ لا مجاز فيه ولا يحتمل التأويل! أما الذين تزوجوا أربع نساء أسوة بالنبي فكأنهم لم يقرأوا قوله عزّوجل: (مَا كَانَ)(21).
وقوله: (يَا نِسَاءَ)(22).
- الإرث:
إن قانون الإرث في الإسلام نسخ القوانين التي كانت سائدة في المجتمعات المختلفة قبله، وقد كان السائد في معظم الأمم أن النساء كنّ يُحرمن من الإرث وكذلك صغار الأبناء، وكانت الحصة الأساسية في الإرث عند العرب قبل الإسلام هي لأرشد الأبناء ومن يستطيع منهم أن يدافع عن الحرمات، ما فعله الإسلام أنه بنى الإرث على الرحم التي هي من الفطرة والخلقة الثابتة، وألغى إرث الأدعياء، ثم أخرج الوصية من تحت عنوان الإرث وأفرد لها عنواناً مستقلاً. والأحكام القرآنية تؤكد على ضرورة التلاحم بين أعضاء الأسرة الواسعة وتحث على تقويتها:
(لِلرِّجَالِ)(23).
وقال تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي)(24).
إن آيات الإرث آيات حدودية حيث أعطى الله للأنثى نصف حصة الذكر حدّاً أدنى، وهذا الحد الأدنى في حالة عدم مشاركة المرأة في المسؤولية المالية للأسرة، أما في حالة المشاركة وعلى افتراض أن ابنه الموِّرث أرملة تربي أيتاماً، فأقرب للتقوى، وتطبيقاً لفريضة العدل، يمكن للأب التقي العادل، أو الفقيه التقي العادل، أن يساوي بينها وبين أخيها، لا يجوز له تعدّي الحدود الدنيا أو العليا، ولكن بإمكانه التحرك ضمن الحديّن الأدنى والأعلى بحسب نسبة المشاركة وما تفرضه الظروف الموضوعية.
- لباس المرأة والرجل وسلوكهما الاجتماعي:
جاء الكلام على لباس المرأة في آيتين حدوديتين في سورة النور والتي تبدأ بقوله تعالى: (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا)(25).
يقول الله عزّوجل بالنسبة إلى الرجل: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ)(26).
أي أن المؤمنين والمؤمنات المهذبين يغضّون من أبصارهم ويحفظون فروجهم وذلك من الفرائض، والفريضة الثالثة المتعلقة بالمرأة دون الرجل هي أن لا تبدي من زينتها ما خفي منها، وهنا يقع وجه الخلاف بين الفقهاء حول الزينة الظاهرة والزينة المخفية، وهل الزينة الظاهرة ما ظهر من زينة المرأة بالخلق، والزينة المخفية الجيوب المستورة (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (النور: 31)، أم غير ذلك؟
- المرأة المسلمة والقضاء:
اختلف الفقهاء المسلمون ولا يزالون حول مسألة شرعية إسهام المرأة المسلمة في الحقل العام عبر شغلها بعض المناصب التي تعدّ حسّاسة كالوزارة أو الرئاسة أو القضاء.
الذين يرون عدم أهلية المرأة لهذه المواقع وبخاصة القضاء، يستندون إلى أهلية المرأة للشهادة التي جاءت في سياق قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)(28).
وواضح هنا أن الموضوع متعلق بالصدقات والتجارة والرهن. أي أنّ هذا الأمر مرتبط بالحق المالي.
كما أن المعارضين يستندون إلى الأعراف التي ترى المرأة مخلوقاً فاقد الأهلية، والتي دلت الوقائع على تهافتها... وهم يجعلون الذكورة شرطاً من جملة شروط هي الذكورة والعقل والبلوغ والإسلام، وأن يكون سميعاً بصيراً ناطقاً عالماً بالأحكام الشرعية، وهذه الشروط متفق عليها جميعاً ما عدا شروط الذكورة الذي اختلف فيه الأحناف مع الآخرين ولم يوجبوا أن يكون القاضي ذكراً(29)، في قضايا الأموال أو ما يُسمى اليوم بالقضاء المدني، واتفقوا مع الآخرين في ما إذا كان القضاء جنائياً.
وقد احتج الجمهور في ما ذهبوا إليه بقوله تعالى: (الرِّجَالُ) وقالو: إن ولاية القضاء تحتاج إلى رأي سديد ناضج والمرأة قد يفوتها شيء من الوقائع بسبب نسيانها فيكون حكمها جوراً، وهي لا تصلح للولاية العامة لقول النبي: (لن يفلح قومٌ ولـّوا أمرهم امرأة).
فأما حملهم الآية القرآنية: (الرِّجَالُ) على منع المرأة من تولي منصب القضاء، أو غيره من مناصب الولاية العامة، فهو قي غير موضعه مطلقاً، لأن الآية تتحدث عن علاقة الرجل بالمرأة في المؤسسة الزوجية، كما ذكرنا سابقاً، أما احتجاجهم بحديث الرسول ففي غير محله أيضاً، لأن الحديث جاء على سبيل البشارة للمسلمين بأن دولة فارس ستزول، وليس فيه دليل على عدم جواز تولي المرأة القضاء أو المناصب العامة. أما القول إن القضاء ولاية تحتاج إلى رأي سديد ناضج يصعب أن يصدر عن المرأة، فمن قال لهم ذلك؟ ومن قال إن القضاة الذكور غير معرّضين للنسيان، وأنهم يعتمدون على الذاكرة في حفظ الوقائع واسترجاعها قبل الحكم؟
ذلك كله يجعلنا نعيد القول الذي بدأنا به حديثنا، وهو أن الحاجة ماسة ٌ إلى وضع أسس جديدة للفقه الإسلامي، ومنه الفقه الخاص بالمرأة يأخذ في الاعتبار معنى الحدود في التشريع، والظروف الموضوعية المستجدة، تطبيقاً لمفهوم العدل في الإسلام تطبيقاً لقوله عزّ وجل: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
رسالة الى كل امرأة...افتخري لأنك امرأة ولان الكون بدونك لا يسوى شيئا !
لأن المرأة أثمن جوهرة نزعت من تاج الطبيعة لتكون زينة للرجل وسعادة له . لأن المرأة أحلى هدية خص بها الله الرجل . لأن المرأة هي النصف الأفضل سواء أكانت ظالمة أم مظلومة . لأن ما من رجل عظيم في الحياة إلا والدته تكون أكثر عظمة منه . لأن عظمة الرجل من عظمة المرأة وعظمة المرأة من عظمة نفسها . لأن كل عقل الرجل لا يساوي عاطفة من عواطف المرأة . لأن يحتاج الرجل للعاطفة أكثر من احتياج المرأة لها لنقصانها عنده وازديادها لديها . لأن المرأة كوكب يستضئ به الرجل ودونه يبيت في الظلام . لأن عندما تسمو عاطفة الحب عند المرأة تصبح حنانا والحياء والصمت أجمل زينات المرأة . لأن المرأة أبهج شيء في الحياة . لأن المرأة تحفة الكون الرائعة . لأن قلب الفتاة وردة لا يفتحها الا الحب . لأن المرأة نصف الحياة إن أحبت زوجها . لأن المرأة هي التي تقود الرجل إلى السعادة . لأن المرأة هي تاج رأس الرجل . لأن المرأة لا يستطيع الرجل العيش بدونها . كانت المرأة قبل محمد الرسول مهضومة الحقوق تهان وتذل بل وتدفن حيّة على مرأى ومسمع من دولة أروبا وفارس في ذلك الزمان التي كانت لا تفكر سوى في أطماعها التوسعية . فجاء محمد الرسول فأعاد للمرأة الحياة وأنقضها من جحيم العبودية للبشر حيث عاملها كإنسان له كرامته وإنسانيته , موازية للرجل ومساوية له في الحقوق والواجبات إلاّ فيما تقتضيه الفطرة من اختلاف . فمنع قتلها ودفنها وأذيتها وظلمها والإساءة إليها حتى جعل خير أتباعه أحسنهم معاملة لها , فهو القائل : ( خياركم خياركم لنسائهم ) والقائل أيضا : ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخيارهم خيارهم لنسائهم ) وأمر أمّته بالرفق بالنساء , فهو القائل : (رفقا بالقوارير ) أي النساء لرقّتهن وشدّد على من يظلمهن حقّهن فقال( اللّهم إنّي أحرّج حقّ الضعيفين اليتيم والمرأة ) الْمَعْنَى َأُحَذِّر مِنْ ذَلِكَ تَحْذِيرًا بَلِيغًا وَأَزْجُر عَنْهُ زَجْرًا أَكِيدًا بل الأكبر والأعظم من ذلك وهو مالم يفعله أيّ زعيم في العالم أن يوصي محمد ويؤكّد على حقوق المرأة عند معاينة الموت . فهل سمعت يوما بعظيم من العظماء في آخر لحظات حياته يوصي بحق المرأة و الإحسان إليها ؟ لن تجد أبدا من فعل ذلك ، فعند الموت كل إنسان منشغل بنفسه. أمّا محمد الرسول فقد تجلت عظمته واحترامه للمرأة والدفاع عنها والرحمة بها في مثل هذا الموقف العصيب فهو يصارع سكرات الموت ، وأوصى الرجال بالإحسان إلى المرأة بل حثهم على أن يوصى بعضهم بعضا بالإحسان إلى المرأة. قال : ( استوصوا بالنساء خيرا) رحمته باليهود والنصـــــارى : لم يكن محمد الرسول رحيما بأتباعه فحسب بل إنّه كان رحيما حتى بأعدائه من اليهود والنصارى وهاك على ذلك هذا المثال : كان لمحمد الرسول جار يهودي مؤذ , حيث كان يأتي كل يوم بقمامته ويضعها أمام بيت محمد الرسول ومحمد يعامله برحمة ورفق ولا يقابل إساءته بالإساءة بل كان يأخذ القمامة ويرميها بعيدا عن بيته دون أن يخاصم اليهودي ، وذلك لأن محمدا كان يعيش لأهداف سامية وأخلاق راقية وهي تخليص البشرية من العناء وإسعادها بعد الشقاء . وفي يوم من الأيام انقطعت أذية الجار اليهودي لمحمد الرسول , فلم يعد اليهودي يرمي القمامة أمام بيته , فقال محمد الرسول لعلّ جارنا اليهودي مريض فلابد أن نزوره ونواسيه، أنظر بنفسك أيّها القارئ إلى هذه الرحمة من محمد كيف أشفق على الرجل الذي يؤذيه بالقمامة ! فذهب إليه في بيته يزوره فوجده مريضا كما ظنّ , فلاطفه بالكلام واطمأنّ على حاله إنّه نبل الأخلاق وسموّ النفس بل قل عظمة العظماء . اندهش اليهودي من زيارة محمد الرسول الذي جاء يواسيه في مرضه ولطالما كان هو يؤذيه عندما كان صحيحا معافى ، فعلم أنّه رسول الحق ولم يملك إلاّ أن يؤمن برسالة محمد ويدخل في دين الإسلام فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله ولاتنسي ان من وهبتكي الحياة هي من وصى بها الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم
![]() |